مساحة اعلانية

موضوع عشوائي

آخر المواضيع

أخلاق أخرى للقادة

اطلعت في عدد مجلتنا (البيان) رقم 235 على الخواطر التي كتبها الأستاذ/ أنور قاسم الخضري، تحت عنوان (أحاديث القرآن والسنة عن القادة) وهي على جمالها جاءت كما أشار الكاتب خواطر بعيدة عن الأسلوب العلمي.. تحتاج إلى مزيد من المراجعة والتمحيص والترتيب..
ولي مع ما ذكر الكاتب وقفات يسيره، لاتقلل من شأن المقال وأهميته:



القائد ليّن لكنه حازم:
قال الكاتب: ( ومما يستوقفنا عند تأمل الشخصيات القيادية في القرآن والسنة حدتها وشدتها) وضرب بموسى عليه السلام وعمر بن الخطاب رضي الله عنه مثلين على ما قال.. ثم استدرك أنه لايقصد بالشدة الغلظة وإنما الشدة في الحق واستدل بالآية : ((مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ)) .. وهنا أحب أن أسجل النقاط التالية:

= الأصل في القائد اللين من غير ضعف كما وصف اللهُ نبيه صلى الله عليه وسلم ((فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ)) والحزم وعدم التردد بعد اتخاذ القرار كما هو واضح من التوجيه في نفس الآية ((فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)) (آل عمران159) فشخصية القائد تجمع بين الود واللين، وبين المهابة؛ وهذا تماما ما نشاهده في شخصية النبي صلى الله عليه وسلم حيث كانت الأَمَة من إماء أهل المدينة لتأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنطلق به حيث شاءت (صحيح البخاري 5/2255) ومع هذا نراه يسهو في صلاته مرة ويهاب أبوبكر وعمر رضي الله عنهما أن يكلماه!(صحيح البخاري1/182).

= الحِدّة والرأفة، سمتان لايضير القائد أن يتصف بأحدهما بشرط أن لاتؤدي به حدته إلى ظلم وتفريق، وأن لاتوصله رأفته إلى ضعف أو مداهنة.. وخليفتا رسول الله صلى الله عليه وسلم يمثلان أنموذجان مختلفان للقيادة ، فأبوبكر رضي الله عنه أرأف أمة محمد صلى الله عليه وسلم بالأمة، ومع هذا وقف للمرتدين وقفة حازمة مع أن عددا من الصحابة قد راجعه في ذلك ، يقول عمر رضي الله عنه: فوالله ما هو إلا أن قد شرح الله صدر أبي بكر رضي الله عنه فعرفت أنه الحق (صحيح البخاري 2/507) ، وعمر رضي الله عنه أشد أمة محمد صلى الله عليه وسلم في دين الله، ومع أخذه الناس بالعزيمة إلا أننا نجدهم قد التفوا حوله، وانقادوا له، وقد ضرب رضي الله عنه للأمة مثلاً في العدل والإنصاف.
والاستطراد بتوضيح ذلك يطول جدا لكني سأكتفي بهذه القصة التي يرويها أبوالدرداء رضي الله عنه لنفهم شخصية القائدين:
عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أقبل أبو بكر آخذا بطرف ثوبه حتى أبدى عن ركبته فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( أما صاحبكم فقد غامر ) ، فسلم وقال: إني كان بيني وبين ابن الخطاب شيء، فأسرعت إليه، ثم ندمت، فسألته أن يغفر لي فأبى علي، فأقبلتُ إليك، فقال: ( يغفر الله لك يا أبا بكر ) ثلاثا، ثم إن عمر ندم فأتى منزل أبي بكر فسأل: أثمّ أبو بكر؟! فقالوا: لا فأتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسلم، فجعل وجه النبي صلى الله عليه وسلم يتمعر حتى أشفق أبو بكر فجثا على ركبتيه، فقال يا رسول الله: والله أنا كنت أظلم، مرتين فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن الله بعثني إليكم فقلتم كذبت وقال أبو بكر صدق، وواساني بنفسه وماله فهل أنتم تاركوا لي صاحبي ) مرتين. فما أوذي بعدها . (صحيح البخاري 3/1339)

= أزعم أن كل خليفة من خلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يمثل شخصية تربوية وقيادية مستقلة، ونحن بحاجة لتتبع حياة كل واحد منهم لاستنباط سمات نمطه القيادي.

القائد جندي مطيع:
قال الكاتب: (إن الشخصية القيادية بطبيعتها متمردة على الاستسلام للآخرين مالم تقتنع وتتيقن من الآراء والأفكار المطروحة عليها، لكنها في المقابل إذا اقتنعت تنطلق غير مولية على شيء)
تمنيت هنا لو فرق الكاتب بين القناعة وبين الطاعة! فالشخصية القيادية لاتقبل الوصاية الفكرية عليها، لكنها تحترم التنظيم وتنصاع لأمر الرئيس ولو لم تقتنع، ذلك لأنها تدرك بحسها القيادي أهمية الطاعة في نجاح العمل الجماعي، أما الطاعة عند الاقتناع بالعمل فديدن الجميع.

إن قصة موسى عليه السلام مع الخضر والتي ساقها الكاتب تدل على ما قررته آنفا فموسى (تبع) الخضر بشرط الطاعة ((قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً{66} قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً{67} وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً{68} قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ صَابِراً وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْراً))(سورة الكهف 66-68) لكنه عليه السلام لم يسطع صبرا فناقش الخضر، إلا أنه انقاد له وانطلق معه..

وهذا هو عمر رضي الله عنه يناقش رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية ولايقتنع حينها فيذهب لأبي بكر (الصدِّيق) ويناقشه فيرد كرد رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن عمر رضي الله عنه بعد ذلك يطيع ويسلم كما سلّم صاحبه من قبله(صحيح البخاري3/1162).

اللطيف أن المقال مليء بالدرر التي نثرها الكاتب بين ثناياه، دون أن يفردها بعنوان مستقل منها: أن القائد مبادر، متفائل، مغامر، متواضع، وغيرها.. وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
==========
(*) نشر في مجلة البيان في العدد 243 في ذي القعدة 1428هـ


الكــاتــب

ليست هناك تعليقات:

أسعد بمشاركتك برأي أو سؤال

جميع الحقوق محفوظة لــ مدونة الباقي