مساحة اعلانية

موضوع عشوائي

آخر المواضيع

جمعياتنا الخيرية: تستثمر في المال أم في البشر؟!

قبل الإجابة على هذا السؤال استأذنكم في عرض مفاهيم محاسبية بطريقة مبسطة قدر الإمكان:

مفهوم السيولة: 
يقصد بالسيولة هو قدرة الجهة على الوفاء بالتزاماتها قصيرة الأجل من خلال توفير تدفقات نقدية (أموال)، ويتم معرفة مدى قدرتها على ذلك من خلال حساب نسبة أصولها المتداولة إلى خصومها المتداولة[1].
يقول بل ماكجينس [2]: "استقرت الممارسات المحاسبية على أن الأصول المتداولة يجب أن تزيد عن الخصوم المتداولة بنسبة الضعف؛ لتأمين نسبة تداول الأموال السائلة" .
أي أن نسبة 1 إلى 2 تعتبر نسبة سيولة جيدة[3]..
ولحساب نسب التداول والسيولة (دوران المال) يمكنكم تطبيق المعادلة التالية:
معدل الدوران = الأصول المتداولة ÷ الخصوم المتداولة
أي أن الوضع الطبيعي للجمعية الخيرية إذا كانت أصولها المتداولة عشر ملايين أن تكون خصومها المتداولة خمسة ملايين .. إذا زادت الخصوم المتداولة عن هذا الرقم أو قلت الأصول المتداولة عن هذا الرقم فمعنى ذلك أن الجمعية تعاني من أزمة في السيولة .. والعكس يعني وجود وفر نقدي.. 

أهمية السيولة:
نعتقد أن الشركات تفلس لأنها تخسر، والصحيح أنها تفلس إذا انعدمت عندها السيولة حتى ولو كانت تربح! أي أن السيولة التي لديها لاتغطي التزاماتها قصيرة الأجل.
الحقيقة الجلية في عالم الأعمال اليوم هي: أن الإيرادات العالية وزيادة المبيعات لاتضمن النجاح ما لم تؤمِّن الشركة تدفقات نقدية كافية لتغطية التزاماتها، فالأرباح نوعان: حقيقية (أي حقوق مستحقة لدى الغير)، ومتوقعة (تقوم على تكهنات).. ولكي تصل بالشركة إلى الأرباح الحقيقية عليك أن تهتم بالسيولة..
إدارة السيولة هي مهمة التخطيط الأساسية للتكيف مع الركود العالمي والأزمات الاقتصادية لذا يقول الاقتصاديون: "لاتصرف ما في الجيب فأنت لاتعلم ما في الغيب!!"[4]
تضطر الشركات (والجمعيات) الناشئة إلى المخاطرة بهدف استثمار الفرص وتحقيق مكانة في السوق، لكن بعد توطيد أركانها تتغير ثقافتها وتنضج نظرتها لإدارة المال، فسن النضج المالي للشركة (أو الجمعية) يعني تحولها من ثقافة "مخاطرة الربحية" إلى ثقافة "تأمين السيولة" والانضباط المالي ورسم الاستراتيجية المالية. 

السيولة والمصروفات الإدارية:
المصروفات الإدارية هي كل المصروفات التي لاترتبط مباشرة بالعمليات الإنتاجية كالرواتب وأجرة المقرات والرخص وأقساط التأمين وإهلاك الأجهزة[5].
الشركة (أو الجمعية الخيرية) التي تتبع استراتيجية "الربح في الأجل القصير" تركز على الربح السريع والنجاحات الوقتية، فتلجأ إلى تخفيض تكاليف التوظيف والبحوث والتطوير والإعلانات بهدف توفير السيولة المؤقتة .. وهي استراتيجية تساعد الجهات في أوقات الأزمات إلا أنها تؤدي بها إلى آثار قاتلة على المدى البعيد.. 
إذا كانت الجهة تعاني أزمة في التداول فلا شك أنّ من النضج المالي اتباع إجراءات مؤقتة تهدف إلى تقليص المصروفات الإدارية.. لكن إذا كانت نسبة السيولة والتدفقات النقدية عالية لدى الجهة فمن الطبيعي أن تتوجه إلى استراتيجية من استراتيجيات النمو، وتهتم بتمتين مواردها البشرية وتحسين خدماتها وتعزيز بناها التحتية.

رأس المال البشري:
الذي لاحظته في عدد من الجمعيات العريقة أنها لاتهتم برأس المال البشري بقدر اهتمامها برأس المال النقدي.. فتجد مثلا أن أصول الجمعية المتداولة قد تصل إلى 8 ملايين أو تزيد بينما خصومها المتداولة لاتتجاوز مليونين أي أن نسبة التداول=8÷2=4 وهذا يعني وجود تدفقات نقدية مهدرة.. 
والمحزن أن الجمعيات مع هذا الوفر توظف في الصف الأول مديرين ذوي كفاءات متوسطة برواتب متدنية أو ذوي كفاءات جيدة لكن بعمل جزئي.. بينما لو استثمرت هذه الجمعية خمسمائة ألف ريال سنويا في البشر استقطابا وتأهيلا لكان أثر ذلك كبيرا على مستوى الجودة وتحسين الخدمات والبنى التحتية، بل وعلى مواردها المالية على المدى البعيد لأن التاجر والداعم الآن يهتم بالجودة والشفافية أكثر من أي شيء آخر.

الخلاصة:
مشكلة الجمعيات الخيرية ليست في مواردها المالية .. بل في ضعف قناعة قياداتها أن البشر هم رأس المال الحقيقي.



========

[1] يقصد بالأصول المتداولة هي الأصول التي يمكن تحويلها إلى نقد بسرعة، مثل الأموال في البنك والديون المستحقة قصيرة الأجل.. أما الخصوم المتداولة فهي الالتزامات المستحقة خلال العام المالي "قصيرة الأجل" مثل مستحقات الموردين والأقساط والمصروفات والرواتب المستحقة خلال العام المالي..

[2] كتاب: القواعد النقدية 2012م.. وكثير من الأفكار المالية الواردة في المقالة مقتبسة من هذا الكتاب، وكنت قد نشرتها في حساب @shmsalidarh.

[3] تنبيه للجمعيات التي لديها مخزون (مثلا مستودع خيري أو مستودع طبي): للتعرف على السيولة السريعة يتوجب خصم المخزون من الأصول المتداولة، وتعتبر هنا نسبة 1 إلى 1 نسبة جيدة للسيولة السريعة

[4] هذه القاعدة لاتنافي أختها: "اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب" .. ففعل الأسباب مطلوب مع التوكل على الله.

[5]يخلط البعض بين المصروفات الإدارية والمصروفات التشغيلية، والفرق هو في ارتباط الصرف مباشرة بالمنتج، فرواتب المديرين والسكرتارية مصروفات إدارية، بينما رواتب العاملين في قسم المساعدات مثلا مصروفات تشغيلية.



الكــاتــب

ليست هناك تعليقات:

أسعد بمشاركتك برأي أو سؤال

جميع الحقوق محفوظة لــ مدونة الباقي